الفصل الثامن |
||||||||||||||||||
ينبغي علينا أن نتناول الآن ناحية أخرى مهمة جدا من نواحي الإمبريالية لا تقدر في معظم الأحيان حق قدرها في أكثر الأبحاث التي تتناول هذا الموضوع. فمن نواقص الماركسي هيلفردينغ أنه خطا خطوة إلى وراء بالمقارنة مع اللاماركسي هوبسون. ونحن نعني الطفيلية التي فطرت عليها الإمبريالية. لقد سبق ورأينا أن الاحتكار هو أعمق أساس اقتصادي للإمبريالية. وهو احتكار رأسمالي، أي أنه ناشئ عن الرأسمالية وقائم ضمن الظروف العامة للرأسمالية وللإنتاج البضاعي والمزاحمة، ومتناقض مع هذه الظروف العامة تناقضا دائما لا مخرج منه. وهو، مع ذلك، ككل احتكار، يولد حتما الميل إلى الركود والتعفن. فبما أنه يفترض أسعارا احتكارية، ولو لزمن محدود، تزول بالتالي، لدرجة معينة، بواعث التقدم التكنيكي، وتبعا لذلك كل تقدم آخر، كل حركة إلى الأمام؛ ثم تظهر الإمكانية الاقتصادية لإعاقة التقدم التكنيكي بصورة مصطنعة. فلنضرب مثلا: في أمريكا اخترع المدعو أوينس ماكنة للقناني أحدثت ثورة في صنع القناني. فاشترى الكارتيل الألماني لمصانع القناني براءات اختراع أوينس ووضعها في جواريره معيقا استعمالها. وبطبيعة الحال لا يستطيع الاحتكار في ظل الرأسمالية أن يزيل المزاحمة من السوق العالمية بصورة نهائية ولبرهة طويلة (ولنقل في سياق الحديث أن هذا سبب من أسباب سخافة نظرية ما فوق الإمبريالية). ومن الواضح أن إمكانية تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح عن طريق إدخال التحسينات التكنيكية تعمل في صالح التغيرات. ولكن ما فطر عليه الاحتكار من ميل إلى الركود والتعفن يواصل عمله بدوره وهو يتغلب خلال وقت معين في بعض فروع الصناعة وفي بعض البلدان. واحتكار حيازة المستعمرات الواسعة جدا، الغنية أو ذات الموقع الملائم، يعمل في نفس الإتجاه. وبعد. إن الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان يبلغ كما سبق ورأينا 100-150 مليار فرنك من الأوراق المالية. ومن هنا تنمو بصورة خارقة طبقة أو، بالأصح، فئة أصحاب المداخل، أي الأشخاص الذين يعيشون من « قص الكوبونات »، الأشخاص المنعزلين تماما عن كل اشتراك في أي مشروع، أشخاص مهنتهم التعطل. وتصدير الرأسمال – وهو أساس من أهم أسس الإمبريالية الاقتصادية – يشدد لدرجة أكبر العزلة التامة لفئة أصحاب المداخيل عن الإنتاج، ويسم بطابع الطفيلية كل البلاد التي تعيش من استثمار عمل عدد من بلدان ما وراء المحيطات والمستعمرات. وقد كتب هوبسون: « في سنة 1893 بلغ الرأسمال البريطاني الموظف في الخارج نحو 15% من كل ثروة المملكة المتحدة »(1). ونذكر بأن هذا الرأسمال قد ازداد، حوالي سنة 1915، 150% على وجه التقريب. ويستطرد هوبسون: « إن الإمبريالية العدوانية التي تكلف دافعي الضرائب ثمنا فادحا والتي تتسم بأهمية ضئيلة بالنسبة للصناعي والتاجر… هي مصدر أرباح فاحشة للرأسمالي الذي يبحث عن مكان لتوظيف رأسماله »… (وقد أعرب عن هذه الفكرة بالإنجليزية بكلمة واحدة « انفيستور » – « موظف »، صاحب دخل)…« ومجموع الدخل السنوي الذي تقبضه بريطانيا العظمى من كامل تجارتها مع الخارج والمستعمرات – صادرات وواردات – قد بلغ في سنة 1899، حسب تقدير الإحصائي جيفان، 18 مليون جنيه سترليني (قرابة 170 مليون روبل) على اعتبار 2.5% من تداول مجموعه 800 مليون جنيه سترليني ». وهذا المبلغ على ضخامته لا يستطيع تفسير الإمبريالية البريطانية العدوانية. إن ما يفسره هو مبلغ يتراوح بين 90 و100 مليون جنيه سترليني هو عائد الرأسمال « الموظف »، هو إيرادات فئة أصحاب المداخيل. إن عائدات أصحاب المداخيل هي خمسة أضعاف عائد التجارة الخارجية في أكبر بلد « تجاري » في العالم ! هذا هو كنه الإمبريالية والطفيلية الإمبريالية. ومفهوم « الدولة صاحبة الدخل » (Rentnerstaat) أو الدولة المرابية يغدو لهذا السبب شائعا في الأدب الاقتصادي عن الإمبريالية. لقد انقسم العالم إلى حفنة من الدول المرابية وإلى أكثرية هائلة من الدول المدينة. وقد كتب شولتزه-غيفيرنيتز: « بين الرأسمال الموظف في الخارج تأتي في المقام الأول المبالغ الموظفة في البلدان التابعة سياسيا أو الحليفة: فإنجلترا تمنح القروض لمصر واليابان والصين وأمريكا الجنوبية. وعند الاقتضاء يلعب أسطولها الحربي دور الشرطي القضائي. وقوة إنجلترا السياسية تقيها من سخط المدينين »(2). ويشير سارتوريس فون فالترسهاوزن في مؤلفه « الاقتصاد الوطني وطريقته لتوظيف الرأسمال في الخارج » إلى هولنده باعتبارها نموذجا « للدولة صاحبة الدخل » ويقول أن إنجلترا وفرنسا تغدوان دولتان من هذا الطراز(3). ويقول شيلدر أن خمس دول صناعية هي « بلدان دائنة واضحة المعالم »: إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، سويسرا. وهو لا يذكر هولنده بينها إلاّ لأنها « ضعيفة التطور الصناعي »(4). والولايات المتحدة دولة دائنة حيال أمريكا فقط. وقد كتب شولتزه-غيفيرنيتز: « تتحول إنجلترا شيئا فشيئا من دولة صناعية إلى دولة دائنة، ومع أن الإنتاج الصناعي والتصدير الصناعي يزدادان من الناحية المطلقة، يرتفع، بالنسبة للاقتصاد الوطني كله، الوزن النسبي للمداخيل التي تتألف من الفوائد وعائدات الأسهم والإصدار والوساطة والمضاربة. وفي رأيي إن هذا الواقع بالذات هو الأساس الاقتصادي للنهوض الإمبريالي.فصلة الدائن بالمدين أوثق من صلة البائع بالمشتري »(5). وفيما يخص ألمانيا كتب صاحب مجلة « البنك » البرلينية لانسبورغ في سنة 1911 في مقال عنوانه: « ألمانيا دولة صاحبة دخل » ما يلي: « في ألمانيا لا يحجمون عن السخرية من رغبة الفرنسيين في التحول إلى أصحاب دخل. هذا وهم ينسون أنه فيما يخص البرجوازية تغدو الحالة في ألمانيا شيئا فشيئا أشبه بالحالة في فرنسا »(6). إن الدولة صاحبة الدخل هي دولة الرأسمالية الطفيلية المتقيحة، وهذا الأمر يجد انعكاسه، لا محالة، في مثل هذه البلدان على جميع الظروف الاجتماعية والسياسية بوجه عام وعلى الاتجاهين الأساسيين في حركة العمال بوجه خاص. ولكيما نبين ذلك بأجلى شكل ممكن نترك الكلام لهوبسون باعتباره أفضل شاهد « عدل »، إذ يستحيل اتهامه بالتحيز « للايمان الماركسي الحق »، ولأنه، من الجهة الأخرى، إنجليزي، أي إنسان مطلع على دقائق الأمور في أغنى البلاد بالمستعمرات والرأسمال المالي والخبرة الإمبريالية. لقد وصف هوبسون تحت تأثير انطباعاته الحية من الحرب الإنجليزية البورية صلة الإمبريالية بمصالح « الماليين » وتزايد أرباحهم من تقديم العتاد الحربي وغير ذلك وكتب يقول: « إن موجهي هذه السياسة ذات الطابع الطفيلي البين هم الرأسماليون؛ ولكن البواعث نفسها تفعل فعلها في فئات معينة من العمال. فأهم الفروع الصناعية في العديد من المدن تتوقف على العقود الحكومية. فالإمبريالية في مراكز صناعة التعدين وبناء السفن تتوقف لدرجة كبيرة على هذا الواقع ». وثمة ظرفان كانا يضعفان، برأي الكاتب، قوة الإمبراطورية القديمة: 1) « الطفيلية الاقتصادية » و2) تشكيل الجيوش من الشعوب التابعة. « الأول هو عادة الطفيلية الاقتصادية وبحكمها تستفيد الدولة المسيطرة من مقاطعاتها ومستعمراتها والبلدان التابعة لإثراء طبقتها الحاكمة والرشوة طبقاتها السفلى لتبقى هادئة ». ونضيف من جهتنا أن هذه الرشوة بأي شكل تحققت، لا بد لها، لتغدو أمرا ممكنا من الواجهة الاقتصادية، من أرباح فاحشة، احتكارية. وفيما يخص الظرف الثاني كتب هوبسون: « ومن أغرب امارات عمى الإمبريالية ذلك الاستهتار الذي تنخرط به بريطانيا العظمى وفرنسا والأمم الإمبريالية الأخرى في هذا الطريق. وقد تخطت بريطانيا العظمى الجميع. فمعظم المعارك التي استولينا بها على إمبراطوريتنا الهندية قد خاضتها جيوشنا المشكلة من الجنود المحليين؛ ففي الهند وفي مصر كذلك حديثا توجد جيوش نظامية كبيرة تحت قيادة البريطانيين. ومعظم الحروب التي خضناها لغزو إفريقيا عدا إفريقيا الجنوبية، قد خاضها من أجلنا الجنود المحليون ». ويقدم هوبسون من الناحية الاقتصادية على النحو التالي احتمال اقتسام الصين: « إن قسما كبيرا من أوروبا الغربية قد يكتسب آنئذ المظهر والطابع اللذين ترتديهما الآن أقسام من هذه البلدان: جنوب إنجلترا، الريفييرا، المناطق الإيطالية والسويسرية التي يكثر فيها السياح ويقطنها الأثرياء، ونعني حفنة ضئيلة من الأرستقراطيين الأثرياء، الذين يتلقون العائدات والمرتبات من الشرق البعيد ومعهم جماعة أكبر لحد ما من المستخدمين المحترفين والتجار وعدد أكبر من خدم البيوت وعمال وسائط النقل والصناعة المشغولة بإتمام المصنوعات شبه الجاهزة. أمّا الفروع الصناعية الرئيسية فتتلاشى آنئذ وتتدفق كميات كبرى من المواد الغذائية والمصنوعات شبه الجاهزة كجزية من آسيا وإفريقيا ». هذه هي الآفاق التي يفتحها لنا اتحاد أوسع بين الدول الغربية، اتحاد أوروبي بين الدول الكبرى: وهذا الإتحاد، فضلا عن أنه لا يدفع إلى الأمام قضية الحضارة العالمية، يمكنه أن يكون خطر الطفيلية الغربية لدرجة هائلة: أن يبرز مجموعة من الأمم الصناعية الراقية تتقاضى طبقتها العليا جزية ضخمة من آسيا وإفريقيا تمكنها من إعالة جماعات مروّضة من الخدم والمستخدمين غير المشغولين في إنتاج الكميات الكبرى من المواد الزراعية والصناعية، بل في الخدمة الشخصية، أو تقوم تحت إشراف الأرستقراطية المالية الجديدة بأعمال صناعية ثانوية. وعلى هؤلاء المستعدين لإهمال هذه النظرية » (وينبغي أن يقال هذا المستقبل) « على اعتبارها غير جديرة بالاكتراث أن يمنعوا الفكر في الظروف الإقتصادية والاجتماعية في مناطق إنجلترا الجنوبية الراهنة التي وصلت إلى هذا الحال. فليفكروا في السعة الكبرى التي يمكن أن يبلغها هذا النظام في حالة ما إذا أخضعت الصين اقتصاديا لاشراف مثل هذه الفرق المالية « موظفة الرساميل » ولمستخدميها السياسيين والصناعيين والتجاريين الذين يبتزون الأرباح من أكبر مستودع للثروات الكامنة عرفه العالم حتى اليوم، بقصد استهلاك هذه الأرباح في أوروبا. وغني عن القول أن الحالة في منتهى التعقيد، ولعبة القوى العالمية تصعب جدا الاحاطة بها ليغدو من المحتمل هذا التفسير للمستقبل أو ذاك في اتجاه واحد. ولكن التأثيرات التي توجه الامبريالية في أوروبا الغربية في الساعة الراهنة تسير في هذا الإتجاه، وإذا لم تصادف مقاومة، إذا لم توجه وجهة أخرى، فهي تعمل في اتجاه مثل هذه الخاتمة لهذا السير »(7). إن الكاتب على حق كامل: فإذا لم تصادف قوى الإمبريالية مقاومة فهي تصل حتما إلى هذه النتيجة. فمغزى « الولايات المتحدة الأوروبية » في الظرف الإمبريالي الراهن قد قدر هنا على الوجه الصحيح. وكل ما كان ينبغي أن يضاف هو أنه في داخل حركة العمال كذلك « يعمل » بمثابرة في الإتجاه ذاته بالضبط الانتهازيون الذين حصلوا الآن على الغلبة مؤقتا في معظم البلدان. فالإمبريالية التي تعني اقتسام العالم واستمرار البلدان الأخرى لا الصين وحدها والتي تعني الأرباح الاحتكارية الفاحشة لحفنة من أغنى البلدان، تخلق اقتصاديا إمكانية رشوة الفئات العليا من البروليتاريا وبذلك تغذي الانتهازية وتكونها وتوطدها. إلاّ أن ما لا ينبغي أن ننساه هو تلك القوى المقاومة للإمبريالية بوجه عام وللانتهازية بوجه خاص، القوى التي لا يراها بطبيعة الحال الاشتراكي-الليبرالي هوبسون. إن الانتهازي الألماني غيرهارد هيلديبراند الذي طرد في حينه من الحزب لدفاعه عن الإمبريالية والذي من الممكن اليوم أن يصبح زعيما لما يسمى الحزب « الاشتراكي-الديموقراطي » الألماني يتهم هوبسون بتوفيق إذ يدعو لتشكيل « ولايات متحدة من أوروبا الغربية » (بدون روسيا) بقصد العمل « المشترك »… ضد الزنوج الإفريقيين، ضد « الحركة الإسلامية الكبرى » وللإنفاق على « جيش وأسطول قويين »، ضد « الائتلاف الياباني الصيني »(8) الخ. إن وصف شولتزه-غيفيرنيتز « للإمبريالية البريطانية » تبين لنا نفس إمارات الطفيلية. فدخل إنجلترا الوطني قد تضاعف تقريبا من سنة 1865 إلى 1898، في حين ازداد الدخل « من الخارج » خلال المدة نفسها إلى تسعة أضعاف. وإذا كان مضل الإمبريالية هو « تربية الزنجي على العمل » (لا غنى عن القسر طبعا…)، فإن « خطر » الإمبريالية يتلخص في أن « أوروبا تلقي على كاهل البشرية الملونة العمل الجسدي – في البدء في الزراعة وصناعة الاستخراج ثم العمل الأكثر خشونة في الصناعة – مكتفية هي بدور صاحب الدخل، وربما مهيئة بذلك اقتصاديا ثم سياسيا تحرير العروق الحمراء والسوداء ». في إنجلترا ينتزع من ميدان الانتاج الزراعي قسم متعاظم من الأراضي ويستخدم لرياضة الأثرياء وتسليتهم. ويقال فيما يخص سكوتلنده – المنطقة الأكثر أرستقراطية للقنص وأنواع الرياضات الأخرى – « إنها تعيش على ماضيها وعلى المستر كارنجي » (صاحب المليارات الأمريكي). وتنفق إنجلترا سنويا 14 مليون جنيه سترليني (نحو 130 مليون روبل) على سباق الخيل وصيد الثعالب وحدهما. ويبلغ أصحاب الدخل في إنجلترا نحو مليون ونسبة المنتجين فيها تنخفض:
إن البرجوازي باحث « الإمبريالية البريطانية في أوائل القرن العشرين » يضطر على الدوام، عندما يتكلم عن الطبقة العاملة الإنجليزية، إلى التمييز « الفئة العليا » من العمال و« الفئة السفلى البروليتارية الصرف ». ومن الفئة العليا يتكون جمهور أعضاء الجمعيات التعاونية والجمعيات الرياضية والفرق الدينية العديدة. وقد جعل حق الاقتراع حسب مستواها. وهو، في إنجلترا، « ما يزار مقيدا لدرجة تكفي لتبعد عنه الفئة السفلى البروليتارية الصرف » ! ! ولإظهار حالة الطبقة العاملة الإنجليزية بالمظهر الأفضل لا يتكلمون في المعتاد إلاّ عن هذه الفئة العليا التي تكون أقلية البروليتاريا، مثلا: « مسألة البطالة هي في الدرجة الأولى مسألة تمس لندن والفئة البروليتارية السفلى التي لا يقيم لها الساسة وزنا كبيرا… »(9). وكان ينبغي أن يقال: التي لا تقيم لها الساسة البرجوازيون المبتذلون والإنتهازيون « الإشتراكيون » وزنا كبيرا. ومن خواص الإمبريالية المرتبطة بجملة الظواهر التي نصفها انخفاض الهجرة من البلدان الإمبريالية وازدياد الهجرة (انتقال العمال ونزوحهم) إلى هذه البلدان من بلدان أكثر تأخرا والأجور فيها أحط. فالهجرة من إنجلترا، كما أشار هوبسون، تتناقص من سنة1884: فقد بلغت في هذه السنة 242 ألفا و 169 ألفا في سنة 1900. والهجرة من ألمانيا قد بلغت حدها الأقصى في عقد سنوات 1881-1890: 1453 ألفا، وهبطت في العقدين التاليين إلى 544 ألفا وإلى 341 ألفا. وبالمقابل ازداد عدد العمال النازحين إلى ألمانيا من النمسا وإيطاليا وروسيا وغيرها. فبموجب إحصاء سنة 1907 كان في ألمانيا 1342294 أجنبيا منهم 440800 من العمال الصناعيين و257329 من العمال الزراعيين(10) وعمال صناعة الاستخراج في فرنسا هم « في قسم كبير منهم » أجانب: بولونيون، إيطاليون، اسبانيون(11). وفي الولايات المتحدة يشتغل المهاجرون في أوروبا الشرقية والجنوبية في الأعمال التي تدفع مقابلها أحط الأجور، بينما يؤلف العمال الأمريكان أعلى نسبة من المناظرين ومن العمال الذين يقومون بالأعمال التي تدفع مقابلها أعلى الأجور(12) تنزع الإمبريالية إلى أن تبرز بين العمال أيضا فئات مميزة وإلى فصلها عن الجماهير البروليتارية الغفيرة. وينبغي أن نشير إلى أن نزوع الإمبريالية إلى شق صفوف العمال وإلى تقوية الانتهازية بينهم وإلى إفساد حركة العمال مؤقتا قد ظهر في إنجلترا قبل أواخر القرن التاسع عشر وبدء القرن العشرين بزمن طويل. وذلك لأن سمتين أساسيتين من السمات المميزة للإمبريالية قد بدتا في إنجلترا منذ منتصف القرن التاسع عشر: المستعمرات الشاسعة والوضع الاحتكاري في السوق العالمية. وقد تتبع ماركس وإنجلس بصورة دائمة خلال عدة عقود من السنين هذه الصلة التي تربط الانتهازية في حركة العمال بالخصائص الإمبريالية في الرأسمالية الإنجليزية. وقد كتب إنجلس إلى ماركس في 7 أكتوبر سنة 1858: « في الواقع تتبرجز البروليتاريا الإنجليزية أكثر فأكثر، ويبدو أن هذه الأمة الأكثر برجوازية بين الأمم تريد أن تكون لديها في نهاية الأمر إلى جانب البرجوازية الأرستقراطية برجوازية وبروليتارية برجوازية. وبديهي أن هذا، بمعنى معين، أمر منطقي من أمة تستثمر العالم كله ». وبعد نحو ربع قرن، في رسالة مؤرخة في 11 غشت سنة 1881، يتكلم انجلس عن « شر التريديونيوننات الإنجليزية التي تستسلم لقيادة أناس اشترتهم البرجوازية أو أنها تدفع لهم على الأقل ». وقد كتب إنجلس في رسالة إلى كاوتسكي مؤرخة في 12 من سبتمبر سنة 1882: « تسألني عن رأي العمال الإنجليز في سياسة حيازة المستعمرات ؟ لا يختلف رأيهم عن رأيهم في السياسة بوجه عام. هنا لا وجود لحزب العمال، كل ما يوجد هنا هما حزب المحافظين وحزب الراديكاليين-الليبراليين، أمّا العمال فيتمتعون معهم مطمئنين بوضع إنجلترا الاحتكاري إزاء المستعمرات وبوضعها الإحتكاري في السوق العالمية »(13). (وقد لخص إنجلس الفكرة نفسها في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب « حالة الطبقة العاملة في إنجلترا »، سنة 1892). وقد أشير هنا بوضوح إلى الأسباب والنتائج. الأسباب: 1) استثمار هذا البلد للعالم كله؛ 2) وضعها الإحتكاري في السوق العالمية؛ 3) وضعها الإحتكاري ازاء المستعمرات. النتائج: 1) تبرجز قسم من البروليتاريا الإنجليزية؛ 2) ويستسلم قسم منها لقيادة أناس اشترتهم البرجوازية أو أنها تدفع لهم على الأقل. لقد انجزت الإمبريالية في أوائل القرن العشرين تقاسم العالم بين حفنة من الدول يستثمر كل منها الآن (بمعنى ابتزاز فاحش الأرباح) قسما من « العالم كله » لا يكاد يقل عن القسم الذي كانت تستثمره إنجلترا في سنة 1858، ويشتغل كل منها وضعا احتكاريا في السوق العالمية بفضل التروستات والكارتيلات والرأسمال المالي والعلاقات بين الدائن والمدين، ويتمتع كل منها لحد ما بوضع احتكاري إزاء المستعمرات (لقد رأينا فيما تقدم أن 65 مليون كيلومتر مربع من 75 مليونا تؤلف جميع المستعمرات في العالم، أي 86%، مركزة في أيدي ست دول وأن 61 مليونا، أي 81% مركزة في أيدي ثلاث دول). والصفة المميزة للوضع الراهن هي وجود ظروف إقتصادية وسياسية لا بد وأن تزيد من منافاة الانتهازية للمصالح العامة والجذرية للحركة العمالية: فقد نمت الامبريالية من جنين إلى نظام سائد، وشغلت الاحتكارات الرأسمالية المكان الأول في الاقتصاد الوطني والسياسة، وتم حتى النهاية اقتسام العالم؛ ومن الجهة الأخرى، بدلا من اشغال إنجلترا دون منازع لوضع احتكاري، صراعا بين عدد ضئيل من الدول الامبريالية من أجل الاشتراك في الاحتكار، صراعا يميز كامل مرحلة بداية القرن العشرين. لا يمكن الآن أن تكون للانتهازية الغلبة التامة خلال عقود عديدة من السنين ضمن حركة العمال في بلد من البلدان، كما تغلبت الانتهازية في إنجلترا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولكنها في عدد من البلدان قد نضجت بصورة تامة وافرطت في النضوج وتعفنت إذ اندمجت بصورة كاملة بوصفها الاشتراكية-الشوفينية(14) في السياسة البرجوازية. |
||||||||||||||||||
(2) Schulze-Gaevernitz. « Br. Imp. » ، ص
320 وغيرها. (3) Sart/ von Walterhausen. « D.
Volkswirt. Syst. Etc » B., 1907, Buch IV. (5) Schulze-Gaevernitz. « Br. Imp. » 122 (6) « Die Bank », 1911,1 ، ص ص 10-11 (7) Hobson ، ص ص 103، 205، 144، 335،
386. (8) Gerhard Hildebrand. « Die
Erschütterung der Industrieherrschaft und des Industriesozialismus »,
1910، ص 229 وما يليها (غيرهارد هيلديبراند. « تزعزع سيطرة الصناعة
والاشتراكية الصناعية ». الناشر) (9) Schulze-Gaevernitz. « Br. Imp. », 301 (10) Statistik des Deutchen Reichs; Bd.
211 (إحصاءات الدولة الألمانية، مجلد 211. الناشر) (11) Henger. « Die Kapitalsanlage der
Franzosen ». St., 1913 (هينغر. « توظيف الرساميل الفرنسية ». شتوتغارت،
سنة 1913. الناشر) (12) Hourwich. « Immigration and Labour ».
N. Y.,1913 (هورفيتش. « الهجرة والعمل ». نيويورك، سنة 1913. الناشر). (13) Briewechsel von Marx und Engels.
Bd. II, S. 290; IV, 433 (رسائل ماركس وإنجلس، المجلد 2، ص 290.
الناشر). K. Kautsky, « Sozialismus-und Kolonialpolitik ». Brl., 1907 ص
89 (كارل كاوتسكي. « الاشتراكية والسياسة إزاء المستعمرات ». برلين، سنة
1907. الناشر). وقد وضع كاوتسكي هذا الكراس في ذلك العهد البعيد قبل أن
يرتد عن الماركسية. (14) الإشتراكية-الشوفينية الروسية –
للسادة بوتريسوف وتشخينكيلي وماسلوف ومن لف لفهم، سواء بشكلها المكشوف
أو بشكلها المستور (السادة تشخييدزه، سكوبيليف، آكسيلرود، مارتوف من
على شاكلتهم) – نشأت كذلك عن نوع روسي من الانتهازية، نعني تيار
التصفية. |
||||||||||||||||||